ويبقى الحسين (عليه السلام) ..
اقترب شهر الحُزن، يحمل بيده قميصاً مُلطخاً بالدماء، لينشره في السماء القديمة، في لحظات الاشتياق اليومية، قبيل هبوط شمسها تنطلق الدماء لتلوّن الفضاء، لترتوي الأرض بدمعات مميّزة جداً، هيَ دمعات تُسكب من أجل الحُسين بن علي (عليه السلام)، ولا شيء سواه، في كلّ عام مع اقتراب شهر المُحرّم، يُذاب اللباس الأسود فوق الأبدان، وتُصهر الأفراح لتُخبّأ، وتبدأ مواكب المشاهد الكربلائية بالمرور في عقولنا، فنُشاهد طفلة تهرب بعد أن حُرّقت الخيام، وتطايرت ذرّات الرمال لتغطّي أرجل الخيل، ونتوقّف عن المشاهدة، لنجزع بُكاءً.
قبل وصول الشهر المُفجع إلينا، هوَ يرسلنا لتطهير ذواتنا، يرسلنا إلى حجّ بيت الله الحرام، لنستذكر الذبيح هُناك، نطوف الكعبة سبعة أشواط، بخطوات مليئة بالدعوات، ونسعى بين الصفا والمروة، وهُناك نبحث عن ماء زمزم، لنسقي أيتام رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذين صرخوا في العام الواحد والستين من الهجرة في يوم عاشوراء:
- العطش العطش العطش ..
ونبحث في عرفات عن ثائر غاب عنّا، مُصلح أطلنا الابتعاد عنه، علّنا نحظى بنظرة منه فنتقوّى لإحياء ليالي الأسى في مُحرّم الحرام، فكُل من يُحيي هذه الليالي يعلم، بأنّه يجب أن يبقى مُستيقظ بعد أن ينام البقيّة، ويجب عليه أن يصنع شيء، عندما يفكّر الكُل بالهرب، هوَ عامٌ متكامل، وبرنامج عظيم يتوفّر في كلّ عام، لنصل إلى عاشوراء لنفهم، لنتمكن من الدخول إلى بوابة التاريخ بكل نقاء، عندها سنتفجر الرؤوس دماً، وتُحنّى الصدور بالأوسمة، وتغرق العيون ذكريات.
في هذا العام انطلقت حملة -ويبقى الحسين (عليه السلام)- العالمية، لتوثّق وتُساهم في تشجيع الجميع للمساهمة في خدمة الدين الاسلامي القويم، عبر سفينة الحُسين (عليه السلام)، فكُل إنسانٍ في هذا العالم مدين لهذا الإمام العظيم، فلولاه لما ارتفع الأذان وأقيمت الصلاة، ولولاه لما عرفت هذه الأرض .. الحُب.
ويبقى الحُسين (عليه السلام) يأتي في كل عام في يوم عاشوراء، محزوز الوريد، مُكسّر الأضلاع، مبتور الخنصر، مُشجّر صدره بالسهام، ويحمل بيده المُجرّحة طفلٌ نبت في عُنقه سهم.
الكاتب حسين المتروك